ملخص كتاب فن اللامبالاة للكاتب مارك مانسون
هناك سؤال عادة ما يتكرر في بال كل منا ، وهو ماذا أريد فعلا من الحياة ؟ أو ما هدفي الحقيقي في الدنيا ؟
عندما يسأل أغلب الناس هذا السؤال فإن جوابهم عادة ما يكون تحقيق السعادة ، و الذي يأتي على شكل بناء أسرة ، أو تكوين ثروة ، أو الحصول على منصب ، أو شهادة علمية ، أو جسم رياضي ، أو حتى السفر إلى مختلف بقاع العالم ، و لكن في حقيقة الأمر ، هذه إجابة متوقعة ، إلى حد يجعلها لا تعني أي شيء ، فالإنسان ليس بمقدوره أن يفعل كل ما سبق ، فوقت و جهد الشخص لا يتحمل كل هذه الأهداف ، و بالتالي العديد منا يصل إلى اللاشيء ، و هذا بدوره هو سبب القلق و التوتر و الغضب و الحياة التعيسة ، ولكن هناك سؤال آخر يلفت النظر، و يجعلنا نفكر بتمعن و تركيز أكثر، هو سؤال لا ينتبه له الكثير من الناس ، وهو؛ ما الألم الذي ترغب فيه في حياتك ؟ ما الذي تظن أنك مستعد للمعانات و الكفاح من أجله ؟ فالحياة بحد ذاتها نوع من أنواع المعاناة ، يعاني الأثرياء بسبب ثرائهم ، و يعاني الفقراء بسبب فقرهم ، و يعاني من لديه أسرة لأن لديه أسرة ، و يعاني الموظفون من وظائفهم ، و يعاني العاطلون عن العمل بسبب عدم وجود وظائف لهم ، فعندما تفكر جيدا في هذا السؤال فإنك ستعرف بالتحديد ما تريده من الحياة ، وهنا يأتي دور كتاب فن اللامبالاة ، حيث جاء فيه بأن عدم الإفراط في الاهتمام هو من سينقذ حياتك ، فبها يتقبل بأن العالم مكان سيئ ، وأن هذا الشيء لا بأس به ، لأن العالم كان هكذا على الدوام ، و سيظل هكذا على الدوام ، و لفهم معنى فن اللامبالاة عليك مراعاة النقاط الثلاثة التالية ؛
أولا ؛ إن عدم الإهتمام الزائد لا يعني عدم الإكتراث مطلقا ، بل هو يعني أن تهتم على النحو الذي يريحك.
ثانيا ؛ أنه لكي لا تهمك الصعاب يجب عليك الإهتمام بالشيء الأكثر أهمية بالنسبة لك، و الذي تحدث عندما تجيب عن سؤال الألم و المعاناة ، أما باقي الأشياء فعليك ألا تفكر فيها.
ثالثا ؛ سواءا أدركت هذا أو لم تدركه فإنك تختار دائما ما تمنحه إهتمامك .
و الفكرة التي توصلنا إليها هي أن الحياة مليئة بمختلف أنواع المعاناة ، لذلك يجب أن تختار المعاناة التي ستكافح من أجلها.
في عام 1983 تم طرد عازف الجيتار ديب موستين من فرقته الموسيقية ، وقد وقعت هذه الفرقة لتوها عقدا لتسجيل أول ألبوم لها ، وكان هذا الطرد قبل يومين فقط من البدء في التسجيلات ، و بدون سابق إنذار أو مناقشة حيث قاموا بإيقاظه ذات يوم من فراشه و تسليمه تذكرة الرجوع ، و بينما كان ديب جالسا في الحافلة متجها إلى لوس أنجلس ، كان متضايقا و مهموما لما حدث ، حيث أن الحصول على عقود التسجيلات لم يكن بالأمر السهل ، و من الممكن أن يكون قد ضاعت عليه فرصة العمر، و لكنه بعد فترة تمكن من تجاوز هذه الهموم ، و قرر أن ينشئ فرقة جديدة سيكون بمقدورها التفوق على فرقته الأولى ، و جعل زملائه القدامى يشعرون بالندم نتيجة لطرده منها ، فكرة الإنتقام لم تغادر تفكيره، و فعلا تمكن ديب من إنشاء فرقته الجديدة ، و بعد عامين تمكنت الفرقة من تسجيل ألبومها الأول ، و الذي دخل القائمة الذهبية ، كانت فرقته الجديدة إسمها ميجاديث ، ذات الشهرة الأسطورية ، و التي بلغت مبيعات ألبوماتها أكثر من 25 مليون نسخة ، كما أنها تمكنت من عزف الموسيقى الخاصة بها، في مختلف بقاع العالم ، و لكن لسوء حظ ديب كانت فرقته الأولى التي طردته هي ميتاليكا ، و التي تعتبر واحد من أعظم فرق موسيقى الروك على الإطلاق ، حيث أنها تمكنت من بيع أكثر من 180 مليون ألبوم حول العالم ، وفي مقابلة خاصة بديب صرح فيها بأنه يعتبر شخصا فاشلا ، رغم تلك الإنجازات التي قام بها ، و ذلك لأنه لم يتمكن من التغلب على فرقته التي طردته.
تعتبر هذه القصة مثال على أهمية اختيار المعايير الصحيحة عندما نقيس نجاحنا أو فشلنا ، حيث أن ديب كان يقيس نجاحه و فشله بمعيار تغلبه على فرقته التي طردته ، وبالتالي كتب على نفسه الفشل ، ومن هنا يتضح أن هناك قيم و مقاييس جيدة و أخرى سيئة ، و تعرف المقاييس الجيدة على أنها مؤسسة على الواقع و بناءة اجتماعية ، و يمكن ضبطها و قياسها مثل الصدق و الأمانة و الدفاع عن النفس و الآخرين و الإحسان و التواضع ، وفي المقابل تعرف القيم السيئة على أنها خرافية أو خيالية و هدامة اجتماعية ، و لا يمكن ضبطها و قياسها مثل الهيمنة من خلال العنف ، والسعي لإرضاء الجميع و الثراء من أجل الثراء ، و الحرص على احتلال مركز الإهتمام على الدوام ، و الفكرة هنا هي أنك إذا كنت راغبا في تغيير نظرتك إلى مشكلاتك ، فإن عليك أن تغير ما تعتبره ذا قيمة كبيرة ، و تغير القيم التي تقيس بها نجاحك أو فشلك.
كان ويليام جيمس منحدر من أسرة ثرية ، حيث كان أبوه أحد أبرز رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن ويليام كان يعاني منذ ولادته من مشاكل صحية عديدة ، و التي كانت تهدد حياته باستمرار ، فقد أصيب في طفولته بمرض في عيناه جعله يفقد البصر لفترة مؤقتة ، كما كان عادة يصاب بألم فضيع في المعدة ، مما يجعله يتقيأ باستمرار ، و كذلك كانت لديه مشاكل في حاسة السمع و تشنجات في الضهر تجعله عاجزا عن الجلوس أو الوقوف ، و بسبب هذه المشاكل كان ويليام يقضي معظم أوقاته في البيت ، ولم يكن له أصدقاء كثر ، حيث كان يقضي أوقاته في الرسم ، و عندما كبر و صار رجلا لم يقبل أحد بشراء أعماله ، لذلك قرر أبوه أن يستخدم علاقاته الواسعة في تأمين مقعد لجيمس في كلية الطب في جامعة هارفارد ، لكن ويليام لم يكن مرتاحا في هذا التخصص ، حيث أن مشاكله الصحية المختلفة كانت تعيقه على دراسة الطب ، فما لبث أن ترك الجامعة ، وقرر أن يذهب مع مجموعة من علماء الأنثروبولوجيا إلى غابات الأمازون ، و تكرر فشله من جديد ، حيث لم يتحمل جسده الضعيف الأجواء القاسية هناك ، وعاد من جديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث أصيب باكتئاب عميق ، و بدأ يخطط لإنهاء حياته ، ولكنه في يوم من الأيام ، كان يقرأ محاضرات للفيلسوف تشارلز بيرس والذي كان محور فلسفته أن على الإنسان أن يعتبر نفسه مسؤولا مئة في المئة عن كل حدث يحدث في حياته ، بغض النظر عن ما هو ملوم فيه ، فقرر جيمس أن يتبنى هذه الفكرة، فما كانت النتيجة إلا أن صار ويليام جيمس أب علم النفس الأمريكي ، حيث ترجمت أعماله إلى عشرات اللغات المختلفة ، وكذلك أصبح مدرسا في جامعة هارفارد ، و أصبح يجوب العالم بإلقاء محاضراته ، وقد أطلق على هذه الفكرة التي تبناها اسم الولادة من جديد ، و نسب إليها الفضل فيما حدث له.
و محور هذه القصة هو أن على الإنسان أن يدرك و يؤمن بأنه مسؤول عن كل ما يحدث له ، بغض النظر عن الظروف الخارجية التي تحيط به ، فهو بكل تأكيد ، ليس قادرا على التحكم بما يحدث أو سيحدث له ، و لكنه قادر دائما على كيفية تفسيره لها ، إضافة إلى تحكمه بكيفية الإستجابة لها ، والفكرة هنا هي ؛ تحمل المسؤولية عن كل شيء يحدث في حياتك بغض النظر عمن هو ملوم فيه.
يعتبر الموت أحد الحقائق التي لا يمكن لأي شخص أن ينكرها ، فكل نفس ذائقة الموت ، و رغم أن هذه الحقيقة تعتبر صعبة و غير مريحة لكثير من الناس، إلا أنها دائما ما يكون لها تأثير كبير في طريقة عيشنا و القرارات التي نتخذها ، و لكي نشرح أهمية الدور الذي تلعبه فكرة الموت في حياتنا ، دعونا نلقي نظرة على كتاب إيرنست بيكر تحت عنوان إنكار الموت ، الذي يعتبر واحد من أكبر الأعمال الفكرية و الفلسفية أثرا خلال القرن العشرين ، حيث كتب هذا الكتاب و هو على فراش الموت ، بعد إصابته بسرطان القولون ، و يتمحور هذا الكتاب على فكرتين أساسيتين ؛ الأولى هي أن الإنسان كائن فريد من نوعه ، يختلف اختلافا كبيرا عن باقي الكائنات الحية الأخرى، في قدرته على التخيل و التصور و التفكير ، حيث يستطيع أن يتصور نفسه في حالات افتراضية ، في الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، وبالتالي يدرك حتمية موته في لحظة ما ، و هذا ما يولد لديه بما يسمى برعب الموت ، وهو قلق وجودي يستبطن كل ما نفكر فيه و كل ما نفعله ، و هذا ما يقودنا إلى الفكرة الثانية من كتاب بيكر ، و هي ؛ إدراك حقيقة أننا سنفنى في يوم من الأيام ، يجعلنا نفكر و نعمل على ترك بصمة أو أثر تبقى بعد أن تفنى أجسادنا ، و هذا ما سماه بمشروع الخلود ، الذي سيخلد أسماؤنا عبر التاريخ ، لذلك قامت العديد من الشخصيات التاريخية المشهورة ، بتطبيق هذه الفكرة ، عن طريق وضع أسمائهم على المباني أو نحث تماثيل لهم أو رسم لوحات فنية تخلد أسماءهم أو حتى تأليف كتاب ، و كذلك يمكننا القول بأن الحضارة البشرية ما هي إلا نتيجة لمشاريع خلود أقامها رجال ونساء عاشوا قبلنا ، فكونوا مدن و الحكومات و السلطات ، و أسسوا السياسة ، و الرياضة ، و الفن ، و الإختراعات التكنولوجية ، و تعتبر فكرة مشروع الخلود من الأفكار السلبية ، و ذلك لأنها على المستوى الجماعي ، قد تؤدي إلى اندلاع الحروب أو الثورات أو حالات القتل الجماعي، كما حدث في الحرب العالمية الأولى و الثانية ، و حتى على المستوى الفردي ، فإن فشل الإنسان في تحقيقه لمشروع الخلود يؤدي للقلق الشديد و الإكتئاب ، و لحسن الحظ هناك طريقة تستطيع من خلالها أن تتغلب على هذه الفكرة ، وهي بكل بساطة أن تستخدم فن اللامبالاة ، حيث تقوم بالتركيز على الحاضر و اللحظات الحالية ، والفكرة هنا هي ؛ تخلص أفكار مشروع الخلود ، فالموت حق.
تعليقات
إرسال تعليق