نيكولا تيسلا
تخيل معي يأتيك مدير الشركة التي تعمل فيها , و يطلب منك أن تنجز عمل , يتحداك و يقول لك ؛ إذا تمكنت من إنجاز هذا العمل سأعطيك مكافأة قدرها 50,000 دولار, طبعا ما سيحصل هو أنك ستتحمس , و ستعمل بجد ليل نهار إلى أن تنجز هذا العمل أو هذا التحدي .
الآن بماذا ستحس إن تمكنت فعلا من إنجازه , و قدمته للمدير, وطالبت بمكافأتك , و قال لك ؛ أنا كنت أمزح معك فقط , و لن أعطيك المكافأة.
الشيء الوحيد الذي سيأتي لمخيلتك في تلك اللحظة هو أنك ستبصق في وجهه , هذا إن لم ترتكب جريمة في حقه.
هذه قصة قصيرة جدا , و هي قصة حقيقية دارت بين اثنين من أشهر العلماء , و سأحكيها لكم في هذه التدوينة.
نيكولا تيسلا هو فيزيائي مخترع و مهندس ميكانيكي كرواتي , ولد في يونيو عام 1856 , والده كان مجرد عامل في الكنيسة الأرتودوكسية , كان هدفه الوحيد هو أن يضم ابنه تيسلا إلى الكنيسة , و يصبح كاهن , و أمه كانت ربة بيت , لكن كانت لها اهتمامات أثرت في نيكولا , فقد كانت تعمل على أجهزة منزلية صغيرة في ذلك الوقت .
بعض الحكايات تقول بأن نيكولا ولد في ليلة عاصفة رعدية مرت على قريته , و التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية في تلك الفترة , كانت عاصفة رعدية قوية جدا , و كأنها علامة من علامات شيء سيحصل في حياة نيكولا تيسلا.
في سنة 1861 دخل المدرسة الإبتدائية , حيث درس اللغة الألمانية والرياضيات و كذلك الدين.
بعد ذلك اضطرت العائلة لجمع رحالها و الإنتقال للعيش في كوز بيتش , و هناك أنهى نيكولا الفترة الدراسية الإبتدائية , كانت اهتمامات تيسلا مختلفة تماما عما كان يريد والده , وهو أن يصبح كاهن , فقد كان نيكولا مغرم بشيء إسمه العلوم , و بالخصوص الفيزياء و الكهرباء , كان لنيكولا أربع إخوة .
وفي سنة 1863 حصلت معه حادثة قلبت حياته رأسا على عاقب , لدرجة أنها أثرت في قواه العقلية , و هي وفاة أخوه الصغير, و الذي كان عمره 12 سنة , و سبب الوفاة هو أنه سقط من فوق الخيل , كان نيكولا يحب أخوه لدرجة كبيرة جدا لدرجة أن هذه الحادثة بقيت في مخيلتة طوال حياته , و السبب حسب بعض المراجع التاريخية حيث تقول بأن نيكولا تيسلا هو السبب في وفاة أخوه الصغير, لأنه هو من قام بنغز الخيل , فقفز فسقط منه أخوه الصغير ومات , قبل أن يصل تيسلا للمستوى الجامعي , درس في ريالتو كاردستي , و لما أنهى الدراسة فيها قرر الولوج إلى الجامعة التقنية جراز في النمسا , حيث درس فيها الرياضيات و الفيزياء , كان في تلك الفترة يعمل في عدة وظائف و ليتمكن من تطوير نفس أثناء دراسته و و أثناء تواجده في كراز, شاهد آلة غريبة جدا , كانت هذه هي المرة الأولى التي يشاهدها في حياته , هذه الآلة كانت وظيفتها أنها تعمل كمولد كهربائي , و في نفس الوقت من الممكن أن تصبح محرك كهربائي عند عكسها , كانت هذه هي الشرارة التي حفزته للبدء في طرق للإستفادة من التيار المتناوب , و في تلك الفترة لم يكن أي أحد من العلماء يفكر في تلك الفكرة .
في سنة 1881 سافر لبوضابيست ليعمل في شركة للبرق , و فعلا تم تعيينه في منصب اختصاصي في الكهرباء الرئيسية , و بينما كان يمارس وظيفته , كان في بعض الأحيان يقوم بإصلاح , و إدخال تحسينات على الأجهزة الموجودة في تلك الشركة , بل يقال بأنه اخترع مضخم هاتفي , بدون أن يحصل على براءة اختراع , حتى و أثناء عمله في مركز البرق , بدأ تيسلا يفكر في صناعة مخطط لمحرك تحريضي , و فعلا هذا ما حصل , تمكن تيسلا من اختراع أول جهاز يستخدم التيار المتناوب في التاريخ.
كل هذه الفترة كان نيكولا يسمع بأخبار توماس إديسون , و كان يسمع باختراعاته و إنجازاته , و كان توماس اديسون في تلك الفترة هو أكثر شخص مشهور في العالم يعمل في الكهرباء , لذلك في سنة 1883 تقدم تيسلا للعمل في فرع أوروبي لشركة إديسون , وأقنعه شخص اسمه تشارلز باشيلر بالسفر لأمريكا و الإلتقاء بتوماس شخصيا , و هذا ما حصل بالفعل , هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1884 و بالضبط لنيويورك , ليقدم طلب العمل لدى توماس إديسون , و فعلا قام هذا الأخير بتوظيفه في شركة إديسون للأعمال الميكانيكية في مانهاتن , و عمل كمهندس كهربائي , حيث كان يحل كل المشاكل التي تواجه الأجهزة الكهربائية بذكاء و حرفية عالية , لدرجة أنه أصبح يعرف كل الأخطاء و الثغرات الموجودة في أنظمة إديسون الكهربائية , و عليه في أحد الأيام أوكل إديسون مهمة لتيسلا , و هو أن يقوم بإعادة تصميم أحد المولدات للتيار المستمر, كان الأمر سهلا بالنسبة لنيكولا , لذلك أخبر إديسون بأنه قادر على فعل ذلك , ليس هذا فقط بل أخبره بأنه يستطيع أن يقوم بتصميم كل المولدات الخاصة بـإديسون وجعلها تعمل بكفاءة عالية و اقتصادية أيضا , في تلك الفترة عندما كان يعمل تحت إمرة إديسون كان راتبه هو 18 دولار فقط , و كان معروف عن توماس بأنه شخص سلطوي و استغلالي للأفكار, فماذا حصل حسب بعض الإحصائيات التاريخية هو أن توماس إديسون لم يرضي بأن يقوم أحد موظفيه بتصحيح عمله و أفكاره و انتقادها , و كان يرى أنه لا يستطيع لأي أحد بأن يقوم بمجاراته في فهم الأنظمة الكهربائية , و قال لتيسلا سأمنحك 50,000 دولار إن استطعت ذلك , قبل تيسلا التحدي , و بدأ يعمل كل يوم لساعات متأخرة بالليل , وكان لا ينام إلا ساعات قليلة جدا , و بعد شهور قليلة من العمل الذؤوب , تمكن من إنجاز المهمة , فأصبحت كل مولدات إديسون و آلياته اقتصادية و أكثر كفاءة , تماما كما قال نيكولا , و هنا التقي نيكولا بإديسون , و أراه ما فعله , و هنا طلب مكافأته قائلا لقد ؛ فعلت ما قلت لك الآن أعطيني 50,000 دولار التي و عدتني بها , و قال تيسلا بأن رد توماس إديسون حرفيا كان ؛ تيسلا يبدو أنك لا تفهم حس الفكاهة الأمريكية , و في مقابل ذلك عوض أن يكافأه كما وعده , أعطاه علاوة أسبوعية بقيمة 10 دولارات , هذا كل ما فعله , هذا الحادث جعل نيكولا يستقيل من شركة إديسون , يستقيل و هو غاضب و يحس بالظلم , هذا الحادث أعطاه تحفيز رهيب فأسس مختبره الخاص و بدأ يعمل على اختراعاته الخاصة , و هنا ستبدأ شهرة تيسلا تلمع شيئا فشيئا , استطاع العكوف في مختبره , و نجح في اختراع محرك متعدد المراحل , و مولدات كهربائية تعمل على التيار المتناوب , و أيضا محولات كهرباء لأنظمة التيار المتناوب , و لم يمر وقت طويل حتى تعرف على جورج وستنجهاوس , هذا الشخص هو مهندس و رجل أعمال أمريكي , أبدى إهتمام كبير بنظام تيسلا للتيار المتناوب , فقد كان هدف جورج هو إيجاد طريقة لتزويد أمريكا بطاقة كهربائية بعيدة المدى , فاشترى من تيسلا براءة اختراع خصوصا براءة اختراع محرك متعدد المراحل , مقابل مليون دولار حسب بعض المصادر, إضافة إلى حقوق الإختراع , و بهذا و بمساعدة أفكار تيسلا , شركة وستنجهاوس الكهربائية أصبحت أول شركة طبقت تكنولوجية التيار المتناوب , من خلال إضاءة المعرض العالمي الكولومبي في شيكاغو سنة 1893 , معتمدا فقط على التيارات المترددة , حيث أصبح أول عرض ضوئي مبهر للجمهور بالطاقة التي اعتقد الناس كما قال إديسون أنها قادرة على التدمير فقط , و بنى مولد شلالات نياجرا للطاقة الهيدروكهربائية , و أنظمة التيار المتناوب في مناجم كولورادو للفظة , ليثبت للناس أن نظامه الذي سماه التيار المتناوب , هو الأكفأ من نظام إديسون المباشر, و هنا نشأت بينهما مواجهة مباشرة حيث كل واحد منهما يحاول إثبات فعالية و قوة نظامه الكهربائي , لينتصر تيسلا في النهاية بنظامه المتناوب , حيث أصبح معتمدا كنظام للطاقة الكهربائية على مستوى العالم , و هنا بدأ نجم تيسلا يلمع مع بداية القرن العشرين , لدرجة أصبحت شهرة تيسلا مساوية لشهرة إديسون.
ففي أحد الأيام كان مجرد موظف لدى إديسون , و كانت شهرته تتزايد شيئا فشيئا مع كل اختراع يخترعه , فاخترع و طور أدوات كهربائية منها الراديو, الإنارة العالية التردد , الأشعة السينية , بالإضافة إلى وسائل العلاج بالكهرباء , وكلها باعتماد التيار المتناوب والتيار العادي التردد , و طور نظام عالمي للبث الإذاعي للطاقة الكهربائية باستخدام أجهزة إرسال مكبرة , و بنى أول محطة في النظام الكهربائي الجديد , وهو عبارة عن برج ضخم لتقوية الإرسال في واردن كليف لونك آيلند وذلك في مدينة نيويورك الأمريكية .
كان يخترع و يطور بدون توقف , والشيء الغريب في مسألة نيكولا هو أنه تنبأ باختراعات ستأتي في المستقبل , منها أنه تنبأ بالمايكرويف و أجهزة التلفاز و أدوات التدخل الموجي و تقنيات حزمة الأشعة , و ليس هذا فقط بل كان العديد من العلماء و المخترعين يعتمدون في اختراعاتهم على أفكار تيسلا , و أيضا ساهم في تطوير الروبوت و الرادار و هندسة و علوم الكمبيوتر, و يعتبر تيسلا هو الأب الروحي للراديو, حيث صادقت المحكمة العليا في أمريكا سنة 1943 على أحقية نيكولا تيسلا في اختراع الراديو, و لكن الشخص الذي نسب إليه براءة الإختراع هو الإيطالي جوليلمو ماركوني , و قدرت مؤسسة تيسلا بأنه سجل أكثر من 300 براءة اختراع باسم نيكولا تيسلا , و ذلك عبر كل دول العالم .
من أشهر هذه الإختراعات جهاز الإرسال المكبر لإرسال الطاقة لاسلكيا , و أيضا توربين تيسلا الذي وصلت كفاءة وقود محركه إلى 90 في المئة , و أيضا المحرك الحثي , وغالبة الأدوات الكهربائية مازالت تستعمل هذا المحرك إلى يومنا هذا , و اخترع تيسلا أول قارب تحكم عن بعد , و كانت له بصمة قوية في الفيزياء النووية و النظرية , و بالرغم من كل ذلك إلا أن الكثير من إختراعات نيكولا تيسلا كانت تسرق , و الكثير من أفكاره كانت تسرق أيضا , و تنسب لأشخاص آخرين تماما مثلما فعل إديسون.
في سنة 1916 قررت الأكاديمية السويدية للعلوم منح كل من نيكولا تيسلا و توماس إديسون جائزة نوبل للفيزياء مناصفة , لكن تيسلا رفض أن يتقاسم الجائزة مع إديسون , و نفس الشيء بالنسبة لإديسون , و بسبب تعنتهما قررت الإدارة أخذ الجائزة منهما , آخر مؤتمر صحفي حضره نيكولا تيسلا كان سنة 1940 , بعد ذلك لم يعد يظهر أبدا في الإعلام.
عاش تيسلا أيامه الأخيرة في فندق في نيويورك منكبا على اختراعات جديدة , لكن صحته العقلية في تلك الأيام كانت في بداية انهيارها , و عاش أيامه الأخيرة يطعم الحمام , و هو يشعر بالإحباط , و بالرغم من أنه يلقب بمخترع القرن العشرين بسبب اختراعاته التي سهلت حياتنا و مازالت تسهل حياتنا إلى يومنا هذا,
إلا أنه توفي فقيرا عن عمر يناهز 87 سنة ومن آخر ما قاله كان هذه الجملة ؛ "إن عالم القوة محكوم بديناميكية الغابة , فالغربان و الضباع تنتظر من يأتي بالفريسة , فلا تتعب نفسها كثيرا , ولا تبذل طاقة ولا تضيع وقتا في مطاردة الفريسة , مع ذلك فهي موجودة و تستفيد من تعب الآخرين فهكذا هي الحياة في جانب منها ".
تعليقات
إرسال تعليق